من يعطيني اليقين .


                                                                                      (١)
                                                                           



(١)

كانت هذى هي الكلمات التي عزيت بها نفسي و أسعفتني بها قدرتي على الكتابة .


"أنتقلت إلي رحمة الله معلمتي الأولى و رفيقة عمري و حبيبتي جدتي حسناء ، سيدة عصامية قوية معطائه حنونة يصعب على أي إنسان عرفها نسيانها . اللهم عظم أجرنا و أربط على قلوبا ، إن لله و إن إليه لراجعون ."



من يعطيني اليقين لاستوعب أنها رحلت ، أشعر بها في روحي . و أريد أن أبكي بكل حواسي لأشعر بهذا الألم . لا تسعفني الدموع و لا البكاء .

من يعطيني اليقين أنها لن تعود لتطرق الباب مرة أخرى ، و تطلبني بكل حب بأن أحممها و أسرح جدائلها التي قلصها العمر و أكتسحها البياض . 

من يعطيني اليقين أنها لن تصرخ بأعلى صوتها تناديني ثم تعتذر مني إن تذمرت أو كشرت وجنتاي ، من يخبرها بأنني إن عادت لن أكررها و لن أعاندها.

من يعطيني اليقين لأطمئن أنها لن تعود و لن يعود الأمان الذي كنت استظل به كل هذه السنين .

من يعطيني اليقين أنه الفراق الأخير ، ليست رحلة صيفية تنتهي حين نعود للدراسة. 

من يعطيني اليقين أنها لن تعود محملة بالهدايا و الكثير من القصص و الحكاوي . 

من يعطيني اليقين أو يحضني بكل ما أوتي من قوة ، لم تواسيني أمي و لم يصارحني أبي بأننا فقدنا جدتي.



معلمتي الأولى و ملاكي الحارس ، إمرأة قوية شكلتها الجبال و زرعت فيها الأمطار طيبتها وخيرها ، فقدت روحها الجميلة في الثلاث السنين الأخيرة من عمرها ، وبدأت تحن للماضي بكل مافيه من سوء و جور و حب و نور . وتذكر القبيح بكل وضوح و كأنه حدث الأمس و تغني للجمال و للحب القديم و كأنها ملحمة تاريخية لا تذكر تفاصيلها و أتعجب كيف للقبح أن يترك هذا الكم القوي من الأثر في قلب وعقل الإنسان ، و كيف للذاكرة أن تنسى التفاصيل السعيدة و تتشبث بكل ماهو حزين . مرت أيامها الأخيرة بكل ألم و رحلت للرحمن مسرعه الخطى دون أن تودعني . 


من يعطيني هذا اليقين الصادق في أن أستوعب و أصدق و أطمئن بأنها لن تعود لن تعود . 

تعليقات

المشاركات الشائعة