٢٠٢١
(٨)
قاربت هذة السنة على الختام ، و عاهدت نفسي في بدايتها أن أعدد النعم التي وهبت لي و أن أهجر التشاؤم و أستشعر رحمة الله بي .
أن أترك الماضي للماضي و الخلق للخالق و القاسي العاصي لمولاه يتفرد هو بالحساب و العقاب .
أن أستغل الفرص التي أتيحت لي ، أن أعمل بكل قوة أوتيت لي ، أن أبهر بنجاحي . أن أفرح ؛ أن اتصالح مع ذاتي و أسامحها على ضعفها و سوء تدبيرها في وقت مضى أن أسمح للماضى أن يرحل بكل هدوء ، أن أنسى كل آذى غير نبرت صوتي و ملامح وجهي .
كل هجر علمني القسوة و كل لحظة خوف جعلتني دقيقة في محاولات البقاء ضمن نطاق العلاقات الاجتماعية . أن أتخطى الأقربون الأولى بالمعروف ؛ لأن صنائع المعروف تبدأ بي أولاً .
أن أسمح للآخرين بالبقاء ،بالتشبث ،بالعطاء والحب .
لم أشعر بالسعادة قط كما شعرت بها في مطلع هذا العام . تغير جميل يلاحظه الجميع و أشعر به ينبض بي . شعور مختلط بالتفائل و الأمل و اقتراب الفرج . فتحت لي أبواب الرحمة و أشعر أنها هي السبب الرئيسي في ذلك .
دعواتها لي لا نظير لها من القلب لأبواب السماء . وحين قررت أن أتغير ، أرضى و أؤمن بالقدر خيره و شره . يختبر صبري في فقدها ؛ موتها الحقيقة الوحيدة التي لا أستوعبها.
قاربت هذة السنة على الختام و آخر جملة قلتها لها : استودعناك الله التي لا تضيع ودائعه . أما أنا فضاعت ودائعي و وديعتي .و أخلفت عهداً والعهد يقتضي الوفاء .
بكيت بصمت شديد أتلمسه أثره في ليل طويل مليئ بالأسئلة و العتاب الشديد . بكيت بصمت البكماء التي لا تستطيع العويل و النياح . حاولت أن أتلمس في موتها أي عبره لأصبر و أحتسب فلم أجد أي عبره سوى أن الموت يهابه الجميع لحظة ثم ينسى حتى نودع شخصاً آخر .
ودعت جدتي الحبيبة الحنونة القوية فنهزت عزيمتي على التغير و خارت قواي . شهر بعد رحيلها ودعت عمتي الغريبة التي تسكن الجبال البعيدة و رغم بعدها كانت تحتفظ بصورة قديمة لي في محفظتها . كنت أظن أنها لا تحبني !!.
و اليوم ودعت قريب لي عاش غريب و مات غريب و ما بينها حياة لا تشبه الحياة بشيء !!.
وضع في قطعة قماش أمام منازل أهله الذين تكفلوا به في حياته و عرف كالقيط طيل حياته البائسة و وصمت العار التي لحقته في كل مكان و اليوم كفنوه كأب لقبيلة كاملة و أنزلوه منزله الأخير .
مؤلم أن تعيش و تموت وحيداً باهتاً لا تسمح للآخرين برؤيتك . رغم كل الاهتمام و الحب من أمهاته و آبائه الذين سعوا و اجتهدوا في تربيته و رعايته إلا أن ألم الصدمة الأولى مازال محفور في ذاكرته حين لقبه أطفال الحي بالقيط !! . جاهد في هذة الدنيا ليحظى بإسم و مكانه . بكى عليه القاصي والداني ، و أمه التي رضعته و أمه التي ربته ، و أقربائه الذي لم يصدق ودهم !! و حتى أصدقاء الطفولة الذين لم يدركوا سابقاً ما ذا يعني "لقيط" .
و قاربت هذة السنة على الختام ، التي عاهدت نفسي في بدايتها أن أعدد النعم التي وهبت لي فأحمد الله على ثبات عقلي و صبر قلبي و قوة شخصيتي التي ورثتها عن جدتي .
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) سورة البقرة
احس ودي اقراه اكثر من مره ♥️♥️
ردحذف